في ذكرى تكريمه؛

الشاعر الحکیم "ابوالقاسم الفرودوسی"؛ فخر الأدب الفارسی ومؤسس الوحدة الوطنیة الإیرانیة

اليوم الـ15 من مايو هو يوم إحياء ذكرى رجل قضى حياته الغالية لتعزيز ثقافة الأرض الفارسية القديمة وأدبها، وبذل كل حياته للحفاظ على اللغة الفارسية ومجد إيران إلى الأبد.

الشاعر الحکیم "ابوالقاسم الفرودوسی"؛ فخر الأدب الفارسی ومؤسس الوحدة الوطنیة الإیرانیة

انه عندما تنظر إلى التقويم الإيراني ، سترى اسمه وعبارة "يوم ذكرى حكيم أبو القاسم الفردوسي"، الشاعر الذي جذب انتباه العالم وجعلهم يثنون عليه بعمله الخالد المسماة بالـ"شاهنامه".

اذا تريد ان تتعرف على هذا الشاعر الكبير واثره الخالد الـ"شاهنامه"، تابعنا في هذا التقرير.

الفضائل الأخلاقية في الشاهنامه

على الرغم من ان موضوع هذا الكتاب المهم يتطرق إلى الملحمة وتصور مشاهد من المعارك، إلا أن قصص الشاهنامه تحتوي على دروس وعبر لا تعد ولا تحصى، وهي مليئة بالحكمة والتشجيع على السلام والندم على الحرب والتقبيح عليها.

يقول الباحث في اللغة الفارسية وآدابها، مهدي سيدي فرخد: "ان الشاهنامه لحكيم أبو القاسم الفردوسي هي واحدة من أعظم الكتب الملحمية في اللغة الفارسية والعالم، والملحمة الوطنية للإيرانيين، بالإضافة إلى انها تعد اعظم وثيقة هويتهم، العمل الذي استغرق كتابته حوالي ثلاثين عامًا".

واضاف: "الشاهنامه قصيدة مفصلة تتكون من حوالي ستين ألف بيت ولها ثلاث فترات أسطورية وبطولية وتاريخية... والفترة الأسطورية للشاهنامه تشمل فترة حكم "كيومرث" حتى عهد "فريدون"، وتشمل الفترة البطولية صعود "كاوه" حتى وفاة بطل الكتاب "رستم"... ويتضمن الجزء التاريخي من الشاهنامه نهاية فترة "كيان" وما بعدها، والتي تمتزج أيضًا بالأساطير والقصص الملحمية.

يتابع الباحث في مجال آثار الفردوسي: "ان هذا الشاعر العظيم، بناءً على المصادر القديمة، يبني مثل هذا القصر النبيل من الكلمات التي لا يمكن لأي حادثة في الدهر أن تضر به، ومضي السنين لا يربك أركانه".

واوضح سيدي: "عند التعامل مع قصص الشاهنامه وغيرها من القصص الأسطورية، لا يجب الاكتفاء بظواهر القصص، بل يجب التأمل والتدقيق فيها، لنكتشف العديد من حقائق الوجود. الأساطير هي الأمثلة الأولى والحقيقية للأحداث الجزئية والعامة في العالم الحقيقي، ويمكن فهمها فقط للمفكرين والباحثين".

يؤكد هذا الباحث الادبي: "ان الشاهنامه هي سرد لمعركة الخير والشر، وأبطال هذه المعركة ومحاربوها في حروب دائمة. حرب "فريدون" و"كاوه" مع ضحاك الظالم، وقصة انتفام "منوشهر" على "سلم" و"تور"، وموت "سياوش" بسبب مؤامرة "سودابه"، كلهم يسرد مواجهة الخير مع الشر".

يقول سيدي: "إن تفكير الفردوسي والفكر الحاكم على الشاهنامة هو دائمًا المدافع عن الخير ضد الشر والقسوة والخراب والظلمة... وإيران التي تعتبر أرض الأحرار هي دائما موضع حسد ومضايقة من جيرانها".

الهوية الوطنية للإيرانيين

ويضيف: "إن جمال إيران ومجدها يعرضها لمصائب مختلفة، ولذلك يقف أبطالها للدفاع عن وجود هذا البلد والقيم الإنسانية العميقة لشعبه، الذي له جانب مقدس وديني، ويفدون بأنفسهم في سبيل ذلك".

الشاهنامه، عمل يمثل الذاكرة التاريخية لأمة

يتابع الباحث في الأدب واللغة الفارسية: "ان بعض أبطال الشاهنامه يعدون كأسمى أمثلة البشر على الأرض الذين بذلوا حياتهم كلها في خدمة الانسان؛ أبطال مثل "فريدون"، "سياوش"، "كيخسرو"، "رستم"، "كودرز"، و"طوس" هم من هذه الفئة".

ويقول سيدي: "ان لغة شعر الفردوسي ليست لغة الغزل ولا لغة النصح والتوصية، ولكن رغم ذلك، أن قصص هذا الكتاب كلها في نهاية المطاف تنتهي بالنصائح والأمثال، والشاعر يذكر القارئ بعدم موثوقية العالم، ويدعوه للاستيقاظ بالنسبة لمكايد الدهر، وعندما يصل إلى موضوع الحب، يتكلم بالبساطة والوضوح".

ويؤكد: "من المهم ألا تعتبر قصص الشاهنامه أسطورة؛ بل انها حقائق تاريخية في تلك الحقبة، أي أن الفردوسي نظم تاريخ الإيرانيين وملاحمهم الوطنية وليس أساطيرهم"، مضيفا: "لم يكن الفردوسي أول شخص بادر بسرد الملحمة الوطنية، وكان اشخاص بادروا بهذا العمل، ولكن لم يتمكنوا من إكمال عملهم".

يتابع أستاذ اللغة والأدب الفارسية: "إن وجود الفردوسي مليء بالعواطف والمشاعر الإنسانية اللطيفة والنبيلة، وتثقل آلام كل كاهل على قلبه، والأطفال الذين لا أمهات، والأسرى المشردين، والمدينين الفقراء الكرام، والمسنين المحتاجين الذين يخفون فقرهم من الآخرين".

الشاهنامه للفردوسي ، مؤسسة الوحدة الوطنية الإيرانية

أهمية شاهنامة الحكيم الفردوسي تعود إلى ثلاث نقاط: أولاً ، مقارنة بالأعمال الوطنية للدول الأخرى، فإن الشاهنامه عمل عظيم وضخم يستحق فخر كل إيراني... ثانيًا ، الشاهنامه هو تاريخ خيالي لإيران ويحتوي على القصص الوطنية للإيرانيين ، وثالثًا ، اللغة الفارسية هي وسيلة لتقوية وحدة وربط العشائر الإيرانية، وقد عززت الشاهنامه للفردوسي أسس اللغة الفارسية لدرجة أنه لا يمكن نسيانها؛ ولذلك يعتبر هذا الكتاب أساس الوحدة العرقية الإيرانية".

محاولة الفردوسي لإحياء الهوية الوطنية الإيرانية السابقة

بدأ الفردوسي بفهم حاد وذكاء وبتشجيع من السامانيين في هذه الفترة في تأليف الشاهنامه باللغة الدرية من أجل خلق مسار جديد نحو الاستقلال في وقت تعرضت فيه الثقافة والهوية الإيرانية للتهديد والإذلال بشدة من قبل الحكومة العباسية والخلافة السياسية.

تمت كتابة الشاهنامه باللغة الفارسية الدرية ، وهي استمرار للغة البهلوية، لغة يمكن أن تبث الحياة في جميع المظاهر الثقافية والتاريخية لإيران أمام أعين الشعب الإيراني المتحمّس ، وبتعبيرها الناري ونظامها اللطيف، جذبت الآخرين إليها.

الشاهنامه هي مصدر غني ومشرف للغاية لتراث إيران الدائم... مصدر يمكن من خلاله ملاحظة استمرارية الهوية الإيرانية وشعوبها، من عالم الأساطير والملحمة، ومراقبة الوعي الذاتي الجماعي للإيرانيين.

من خلال تأليف الشاهنامه ودعم اللغة الفارسية الدرية ، مهد الحكيم الفردوسي الطريق نحو الاستقلال ، أي في العصر الذي لم تكن لإيران حدود جغرافية وسياسية محددة بعد انهيار الحكومة الساسانية، ، لأن جميع الأراضي التي احتلها العرب كانت تعتبر مقاطعات إمبراطورية الخلافة العظيمة.

في مثل هذه الفترة ، يذكر الفردوسي إيران والإيرانيين أكثر من 1200 مرة في "الشاهنامه" ويغني مجد البلاد في آذانهم، وذلك لتذكير الشعب بالهوية الوطنية الإيرانية الماضية بعد قرون.

مقبرة الحكيم الفردوسي

يقع قبر حكيم أبو القاسم الفردوسي ، الشاعر الإيراني و الملحمي العظيم (419-329 هـ) ومبدع الشاهنامه ، في شمال مدينة توس التاريخية ، في حديقة كبيرة ، والتي تعد اليوم واحدة من مناطق الجذب السياحي في محافظة خراسان للزوار ولمحبي هذا الشاعر الكبير. يوجد في هذه الحديقة مسبح كبير وبجواره تمثال للفردوسي صنعه الفنان الإيراني الشهير أبو الحسن صديقي. كذلك يوجد في نهاية حديقة المقبرة خلف مبنى القبر بوابة رزان التابعه لمدينة طبران توس.

في فترة القاجار (القرن الثالث عشر الهجري) صدر قرار ببناء قبر لهذا الشاعر الإيراني الثمين، وبعد ذلك تم بناء مبنى مناسب نسبيًا على مدفنه في حديقته وممتلكاته الشخصية عام 1313 هـ و تم افتتاحه في في نفس الوقت الذي أقيم فيه احتفال الألفية لفردوسي.

أعيد بناء قبر الفردوسي عدة مرات. تم بناء المبنى بعد عدة سنوات لأنه كان يعاني من مشاكل من حيث البنية التحتية. بعد ذلك ، بدأ بناء مبنى جديد مستوحى من العمارة الأخمينية بأمر من جمعية الأشغال الوطنية الإيرانية في عام 1343 وتحت إشراف المهندس هوشنغ سيحون في عام 1347. أعيد تصميم هذا المبنى بناءً على تصميمه السابق مع بعض التغييرات في الأبعاد والحجم والديكورات المستوحاة من قبر قورش في باسارجاد وأعيد بناؤه بمواد من الحجر والحديد والبلاط وغيرها من المواد. في المبنى الجديد ، تم تجويف الجزء العلوي من المبنى ، الذي كان ممتلئًا بالمبنى الأصلي. كان الطابق السفلي مزينًا بالبلاط الفسيفسائي المستوحى من العناصر الزخرفية للعصر الأخميني والقرن الرابع الهجري (فترة حياة الفردوسي).